الاستراتيجية الآتية إلى سوريا… ماذا تغيّر؟
لا بدّ أنّ تغييرات دولية ستحصل بشأن الأزمة السورية. هو عنوان ترسّخه المعطيات الواردة من واشنطن بعد بدء عهد رئاسي أميركي جديد. رغم أن رئيس الولايات المتحدة جو بايدن لم يحدّد أي استراتيجية واضحة لغاية الآن بشأن دمشق، لكنّ الآراء الواردة إلى البيت الأبيض إزاء التعاطي الأفضل مع أزمة سوريا، تُجمع بمختلف مصادرها الفكرية والسياسية بأن الأوان آن لتغيير الاستراتيجيات التي اعتُمدت مع السوريين منذ عام 2011 ولغاية الآن. لم تنجح تلك الرؤى بفرض أيّ قرار على الرئيس السوري بشار الأسد، ولم تخترع زعامات سياسية بديلة منه، ولم تستطع أن تُبعده عن خياراته وتحالفاته، لا بل على العكس، تثبّتت علاقة دمشق مع كل من موسكو وطهران، وهو أمر لا يناسب لا العرب ولا الغرب.
يعرف الأميركيون أن حلفاءهم الأوروبيين والخليجيين يوَدّون إعادة نسج علاقة طبيعية مع سوريا، انطلاقًا من أن الهواجس الأمنية تُقلق عواصم أوروبا الساعية للحصول على معلومات استخباراتية أو ضبط مسار الإرهاب أو إيجاد حلول لملف النازحين السوريين. كما أنّ للعرب مصلحة أن تكون سوريا رأس حربة في مواجهة أيّ تمدّد تركي يخيف عواصم الخليج، باستثناء الدوحة. يردّد مسؤولون خليجيون كلامًا عن وجوب إعادة دمشق للحضن العربي، وهو ما يمكن أن يتحقق بسهولة، لأنّ لا مشاكل تُذكر بين سوريا ودول الخليج فعليًا في الوقت الحالي، لا مع الإمارات ولا البحرين ولا الكويت ولا عُمان، بينما لم يُترجم ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان أيّ كره للرئيس السوري، كما كان يفعل الأمير محمد بن نايف في أيام سطوته. وعليه، لا يمكن استبعاد أيّ خطوات متبادلة سعودية-سورية، كما الحال بين دمشق وابوظبي.
وبانتظار معرفة توجهات بايدن بشأن سوريا، فإنّ آراء المحيطين حوله، أو المتواجدين ضمن فريقه الإداري، تشير إلى أنّ بايدن لا يُعطي الملف السوري أي ترتيب في أجندته الخارجية، لكنّه قد يتجاوب مع مطالب أركان الرأي حوله لرفع العقوبات عن سوريا تحت عنوان إنساني أوّلًا، ثم يتعامل مع ملف سوريا في إطار تعاطيه مع روسيا وإيران ومواجهة تهديدات “داعش”. ومن هنا جاءت خلاصة رأي السفير الأميركي الأسبق في دمشق روبرت فورد الذي اعتبر أنّ السياسة الأميركية فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة في سوريا عدا قتال “داعش”، لذا “لا بدّ من التعاون مع روسيا وتركيا”.
وبمجرّد ذكر فورد عن وجوب التعاون مع الروس في سوريا، فهو إقرار أميركي بثوابت موسكو السياسية والعسكرية في دمشق. ثم جاء مقال السفير الأسبق جيفري فيلتمان والمسؤول في “مركز كارتر” هراير باليان، يدعوان فيه إلى اعتماد سياسة جديدة في سوريا: إمّا الاستمرار في المقاربة الحالية التي لم تُفلح إلّا في تفاقم انهيار الدولة السورية، أو اعتماد عملية دبلوماسية جديدة تهدف إلى وضع إطار مفصّل للتحاور مع الحكومة السورية بشأن مجموعة محددة من الخطوات الملموسة التي يمكن التحقق منها، والتي في حال نُفِّذت، تقدّم الولايات المتحدة وأوروبا مقابلها المساعدة المستهدفة لسوريا وتُجري تعديلًا في العقوبات.
يكفي أنّ هذا الكلام صادر عن أحد الصقور الأميركيين ضد الأسد، أي فيلتمان، للجزم بأنّ هناك شيئًا ما سيتغيّر في السياسة الأميركية إزاء الملف السوري. علمًا أنّ مركز كارتر للدراسات قدّم ورقة مهمة بشأن سوريا ارتكز فيها على دراسة الجوانب كافة، ووصل إلى نتيجة تفيد بأنّ مقاربة “خطوة-خطوة”، سيؤدّي إلى إعفاء جهود محاربة فايروس كورونا من العقوبات، وتسهيل إعمار البنى التحتية المدنية، ثم تخفيف العقوبات الأميركية والأوروبية بشكل تدريجي.
لكن ما هو المطلوب من دمشق؟
تورد الورقة المُشار إليها بأنّ المطلوب هو “إطلاق المعتقلين السياسيين، وتأمين العودة الآمنة والكريمة للّاجئين، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات من دون أي عوائق إلى كلّ المناطق، والتخلّص ممّا تبقى من الأسلحة الكيميائية، وتنفيذ الإصلاحات السياسية والأمنية، بما في ذلك المشاركة بنوايا حسنة في مسار جنيف، واعتماد المزيد من نظام اللامركزية”.
وأمام تلك الآراء، لم تحسم الإدارة الأميركية موقفها الاستراتيجي بشأن الملف السوري، وبالتأكيد هي ستكون معنيّة بدراسة التقارير والآراء التي تُجمع على وجوب البحث عن حلول لسوريا بعدما جرّبت واشنطن وحلفاؤها كلّ المسارات الأخرى، كالعقوبات والحرب العسكرية والسياسية و الدبلوماسية، ولم تفلح سوى باستهداف الشعب السوري الذي يعاني من أزمات تحاول الدولة أن تعالجها ضمن إمكانياتها المُتاحة.
بالإنتظار، ستحاول مجموعات كالكرد مثلًا، توسيع النفوذ، لاستقبال أي مفاوضات آتية بسقوف عالية.
عباس ضاهر